فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
واللام في لقد جواب قسم محذوف تقديره والله لَقَد، وكذلك نظائرها.
قال بعض المتأخرين لها نحو أريين معنى، قال: وجميع أقسام اللام التي هي حرف معنى يرجع عند التَّحقيق إلى قسمين: عاملة، وغير عاملة، فالعاملة قسمان: جارّة، وجازمة، وزاد الكوفيون النَّاصبة للفعل.
وغير العاملة خمسة أقسام: لام ابتداء، ولام فارقة، ولام الجواب، ولام موطّئة، ولام التعريف عند من جعل حرف التعريف أحاديًا.
أما الجارة فلها ثلاثون قسمًا مذكورة في كتب النحو.
وأمّا الجازمة فلام الأمر، والدعاء والالْتِمَاس.
وحركة هذه اللام الكسر.
ونقل ابن مالك عن الفرّاء أن فتحها لغة، ويجوز إسكانها بعد الواو والفاء، وهو الأكثر.
وفي حذف لام الطلب وإبقاء عملها أقوال:
وأما اللام هنا فهي لام كي عند الكوفيين، وعند البصريين لام جَرّ.
ولام الجحود نحو: ما كان زيد لِيَذْهَبَ، ولام الصَّيرورة، وتسمى لام التَّعَاقُب، ولام المآل واللام الزائدة كقوله: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] واللام بمعنى الفاء كقوله: {رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} [يونس: 88] أي: فيضلوا.
والكلام على هذه اللاَّمات ليس هذا موضعه، وإنما نبّهنا عليه، فيطلب من مكانه.
وقد حرف تحقيق وتوقّع، وتنفيذ في المضارع التقليلّ إلاّ في أفعالِ الله تعالى فإنها للتحقيق، وقد تخرج المضارع إلى المُضِيِّ كقوله: البسيط::
قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرَّا أَنامِلُهُ ** كَانَ أُثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ

وهي أداة مختصّة بالفعل، وتدخل على الماضي والمضارع، وتحدث في الماضي التقريب من الحال.
وفي عبارة بعضهم: قد حرف يصحب الأفعال، ويُقَّرب الماضي من الحال، ويحدث تقليلًا في الاستقبال.
والحاصل أنها تفيد مع الماضي أحد ثلاثة مَعَانٍ: التوقّع، في التقريب، والتحقيق، ومع المضارع أحد أربعة معانٍ: التوقّع، والتقليل، والتكثير، والتحقيق.
قال ابن مالك: والدَّالة على التقليل تصرف المضارع، وكذلك الدّالة على التكثير.
وأما الدالة على التحقيق، فقد تصرفه إلى المُضِيِّ، ولا يلزم فيها ذلك، وهي مع الفعل كجزء منه، فلا يفصل بينهما بغير القسمح كقوله: الطويل::
أخَالِدُ قَدْ والله أوْطَأْتَ عَشْوَةً ** وَمَا العَاشِقُ المَظْلُومُ فِينَا بِسَارِقِ

وإذا دخلت على الماضي، فيشترط أن يكون متصرفًا، وإذا دخلت على المضارع، فيشترط تجرّدهُ من جازم وناصب، وحرف تنفيس، وتكون اسمًا بمعنى حَسْب؛ نحو: قَدْنِي دِرْهَمٌ، أي: حَسْبِي، وتتّصل بها نون الوقاية مع ياء المتكلم غالبًا، وقد جمع الشاعر بين الأمرين، قال: الرجز::
قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبْيبَيْنِ قَدِي

والياء المتّصلة بقدني في موضع نصب إن كان قَدْني اسم فعل، وفي موضع جرّ إن كانت بمعنى حَسْب.
والياء في قدي تحتمل أن تكون بمعنى حسبي، ولم يأت بنون الوقاية على أحد الوجهين، وتحتمل أن تكون اسم فعل، وحذفت النون للضرورة، وتحتمل أن تكون اسم فعل، والياء للإطلاق.
وإن كانت حرفًا جاز حذف الفعل بعدها، كقوله: الكامل::
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ** لَمّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ

أي: قد زالت.
وللقسم وجوابه أحكام تأتي إن شاء الله تعالى مفصلة.
و{عَلِمْتُم} بمعنى: عرفتم، فيتعدّى لواحد فقط.
والفرق بين العِلْمِ والمَعْرفة أن العلم يستدعي معرفة الذات، وماهي عليه من الأحوال نحو: علمت زَيدًا قائمًا أو ضاحكًا، والمعرفة تستدعي معرفة الذَّات.
وقيل: لأن المعرفة يسبقها جهل، والعلم قد لايسبقه جهل، ولذلك لا يجوز إطلاق المعرفة عليه سبحانه وتعالى.
و{الَّذِينَ اعْتَدَوا} الموصول وصِلَتُهُ في محصل نصب مفعول به، ولا حاجة إلى حذف مضاف كما قدره بعضهم، أي: أحكام الذين اعتدوا؛ لأن المعنى عرفتم أشخاصهم وأعيانهم.
وأصل {اعْتَدَوْا}: اعْتَدَيُوا، فأعلّ بالحذف، ووزنه افْتَعَوْا، وقد عرف تصريفه ومعناه.
و{منكم} في محلّ نصب على الحال من الضمير في {اعتدوا}، ويجوز أن يكون من {الذين}.
أي من المعتدين كائنين منكم.
ومن للتبعيض.
و{السَّبْتِ} متعلّق ب {اعتدوا}، والمعنى: في حكم السبت.
وقال أبو البقاء: وقد قالوا: اليوم السَّبت، فجعلوا اليوم خبرًا عن {السبت}، كما يقال: اليوم القتال، فعلى ما ذكرنا يكون في الكلام حذف، تقديره: في يوم السَّبْت، فالسَبت في الأصل مصدر سَبَتَ أي: قطع العمل.
وقال ابن عطية: والسَّبْت: إما مأخوذ من السُّبُوت الذي هو الراحة والدَّعَة، وإما من السَّبْت وهو القطْع؛ لأن الأشياء فيه سبتت، وتمت خِلْقَتُهَا.
ومنه قولهم: سبت رأسه أي: حلقه.
وقال الزمخشري: والسّبت مصدر سبتت اليهود: إذا عظمت يوم السبت.
وفيه نظر، فإنّ هذا اللفظ موجود، واشتقاقه مذكور في لسان العرب قبل فعل اليَهُود ذلك، اللّهم إلا أن يريد هذا السبت الخاصَّ المذكور في هذه الآية.
والأصل فيه المصدر كما ذكرت، ثم سمي به هذا اليوم من الأسبوع، لاتفاق وقوعه فيه كما تقدم أن خلق الأشياء تَمّ وانقطع، وقد يقال: يوم السبت فكيون مصدرًا.
وإذا ذكر معه اليوم، أو مع ما أشبهه من أسماء الأزمنة مما يتضمّن عملًا وحدثًا جاز نصب اليوم، ورفعه، نحو: اليوم الجمعة، اليوم العيد كما يقال: اليوم الاجتماع والعَوْد.
فإن ذكر مع الأحد وأخوته وجب الرفع على المشهور، وتحقيقها مذكور في كتب النحو.
و{قِردَةً خَاسِئِيْنَ} يجوز فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن يكونا خبرين، قال الزَّمخشري: أي: كونوا جامعين بين القِردَيّة والخسوء.
وهذا التقدير منه بناء على أن الخبر لا يتعدّد، فلذلك قدرهما بمعنى خبر واحد من باب: هذا حُلْو حَامض وقد تقدّم القول فيه.
والثَاني: أن يكون {خاسئين} نعتًا ل {قردة} قاله أبو البقاء.
وفيه نظر من حيث إنّ القردة غير عقلاء، وهذا جمع العقلاء.
فإن قيل: المخاطبون عقلاء؟ فالجواب: أنّ ذلك لا يفيد؛ لأن التقدير عندكم حينئذ: كونوا مثل قدرة من صفتهم الخُسوء، ولا تعلّق للمخاطبين بذلك، إلا أنه يمكن أن يقال: إنهم مشبَّهُون بالعقلاء كقوله: {لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] و{أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
والثالث: أن يكون حالًا من اسم {كونوا}، والعامل فيه {كونوا}، وهذا عند من يجيز لكان أن تعمل في الظروف والأحوال وفيه خلاف سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى عند قوله: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} [يونس: 2].
الرابع: وهو الأجود أن يكون حالًا من الضمير المُسْتكنّ في {قردة}؛ لأنه في معنى المشتق أي: كونوا ممسوخين في هذه الحال.
وجمع فِعْل على فِعَلَة قليل لا يَنْقَاس.
ومادة القرد تدلّ على اللُّصوق والسكون، تقول: قَرَد بمكان كذا: لصق به وسكن، ومنه: الصُّوف الْقَرَد أي: المتداخل، ومنه أيضًا: القُرَادُ هذا الحيوان المعروف ويقال: خسأته فخَسَا، فالمتعدي والقاصر سواء نحو: زاد وغاض وقيل: خسأته فخسئ وانسخًا، والمصدر الخسوء والْخَسْء.
وقال الكسائي: خسأت الرجل خسأ، وخسأ هو خسوءًا، ففرق بين المصدرين.
والخسوء: الذّلة والصَّغار والطرد والبعد، ومنه: خسأت الكلب قال مجاهد وقتادة والربيع: وهي لغة كنانة.
وقال أبو روق: يعني خرسًا لقوله تعالى: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] والمراد من هذا الأمر سرعة التكوين لا نفس الأمر.
روي عن مجاهد رضي الله عنه أن الله تعالى مسخ قلوبهم يعني: بالطَّبع والخَتْم، إلا أنه مَسَخَ صورهم لقوله: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] وهذا مَجَاز ظاهر مشهور. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (66):

قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{فجعلناها} أي فتسبب عن قولنا إنهم كانوا قردة كما قلنا، فجعلنا هذه العقوبة {نكالًا} أي قيدًا مانعًا {لما بين يديها} من المعاصي من أهل عالمها الشاهدين لها {وما خلفها} ممن جاء بعدهم، روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما، والنكال إبداء العقوبة لمن يتّعظ بها، واليد ما به تظهر أعيان الأشياء وصورها أعلاها وأدناها، فلذلك ثنيت لأنها يد عليا هي اليمنى ويد دنيا هي اليسرى، والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه فينطمس عن حواس إقباله شهوده- قاله الحرالي.
وقال: {وموعظة} من الوعظ وهو دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق بما يخوفها في مقابلة التذكير بما يرجيها ويبسطها {للمتقين} وقد أشعر هذا أن التقوى عصمة من كل محذور وأن النقم تقع في غيرهم وعظًا لهم. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {فَجَعَلْنَاهَا} فقد اختلفوا في أن هذا الضمير إلى أي شيء يعود على وجوه:
أحدها: قال الفراء: جعلناها يعني المسخة التي مسخوها، وثانيها: قال الأخفش: أي جعلنا القردة نكالًا.
وثالثها: جعلنا قرية أصحاب السبت نكالًا.
رابعها: جعلنا هذه الأمة نكالًا لأن قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنكُمْ في السبت} يدل على الأمة والجماعة أو نحوها والأقرب هو الوجهان الأولان لأنه إذا أمكن رد الكناية إلى مذكور متقدم فلا وجه لردها إلى غيره، فليس في الآية المتقدمة إلا ذكرهم وذكر عقوبتهم، أما النكال فقال القفال رحمه الله: إنه العقوبة الغليظة الرادعة للناس عن الإقدام على مثل تلك المعصية وأصله من المنع والحبس ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع منها، ويقال للقيد النكل، وللجام الثقيل أيضًا نكل لما فيهما من المنع والحبس، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا} [المزمل: 12] وقال الله تعالى: {والله أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا} [النساء: 84] والمعنى: أنا جعلنا ما جرى على هؤلاء القوم عقوبة رادعة لغيرهم أي لم نقصد بذلك ما يقصده الآدميون من التشفي لأن ذلك إنما يكون ممن تضره المعاصي وتنقص من ملكه وتؤثر فيه، وأما نحن فإنما نعاقب لمصالح العباد فعقابنا زجر وموعظة، قال القاضي: اليسير من الذم لا يوصف بأنه نكال حتى إذ عظم وكثر واشتهر، يوصف به وعلى هذا الوجه أوجب الله تعالى في السارق المصر القطع جزاء ونكالًا وأراد به أن يفعل على وجه الإهانة والاستخفاف فهو بمنزلة الخزي الذي لا يكاد يستعمل إلا في الذم العظيم، فكأنه تعالى لما بين ما أنزله بهؤلاء القوم الذين اعتدوا في السبت واستحلوا من اصطياد الحيتان وغيره ما حرمه عليهم ابتغاء الدنيا ونقضوا ما كان منهم من المواثيق، فبين أنه تعالى أنزل بهم عقوبة لا على وجه المصلحة لأنه كان لا يمتنع أن يقلل مقدار مسخهم ويغير صورهم بمنزلة ما ينزل بالمكلف من الأمراض المغيرة للصورة، ويكون محنة لا عقوبة فبين تعالى بقوله: {فجعلناها نكالا} أنه تعالى فعلها عقوبة على ما كان منهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

والضمير في {جعلناها}: يحتمل العود على المسخة والعقوبة، ويحتمل على الأمة التي مسخت، ويحتمل على القردة، ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها، وقيل يعود على الحيتان، وفي هذا القول بعد.
والنكال: الزجر بالعقاب، والنكل والأنكال: قيود الحديد، فالنكال عقاب ينكل بسببه غير المعاقب عن أن يفعل مثل ذلك الفعل، قال السدي: ما بين يدي المسخة: ما قبلها من ذنوب القوم، {وما خلفها}: لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب، وهذا قول جيد، وقال غيره: ما بين يديها أي من حضرها من الناجين، {وما خلفها} أي لمن يجيء بعدها، وقال ابن عباس: {لما بين يديها}: أي من بعدهم من الناس ليحذر ويتقي، {وما خلفها}: لمن بقي منهم عبرة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وما أراه يصح عن ابن عباس رضي الله عنه، لأن دلالة ما بين اليد ليست كما في القول، وقال ابن عباس أيضًا: {لما بين يديها وما خلفها}، أي من القرى، فهذا ترتيب أجرام لا ترتيب في الزمان.
{وموعظة} مفعلة من الاتعاظ والازدجار، {وللمتقين} معناه للذين نهوا ونجوا، وقالت فرقة: معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، واللفظ يعم كل متق من كل أمة. اهـ.